أتذكر عندما كنت صغيرة كان ليوم الجمعة طعم مميز ومذاق مختلف ..
ومازلت أذكر كيف كنت أحب يوم الجمعة وأنتظره بفارغ الصبر فله جو خاص محبب إلى نفسي ..
ومن أضاف له هذا الطعم هو خالتي الكبيرة في السن رحمها الله
فقد كان عمرها في ذلك الوقت 70 عاماً ومع ذلك كان لها برنامجها الخاص في يوم الجمعة
والذي جعل كل من حولها يتبعون هذا البرنامج ويجعلون من يوم الجمعة عيداً للأسرة ..
فمن طلوع فجر يوم الجمعة تستيقظ فرحة مستبشرة وإمارات السعادة والبشر ترتسم
على وجهها المتغضن وتحوله إلى وجه فتاة صغيرة .. ولاتستغربي من ذلك
فكنت أنا في ذلك الوقت في طفولتي أتأمل وجهها بدهشة وتعجب ..
وعرفت الآن أن مايحول وجهها لهذا الوجه الملائكي الجميل هو السعادة والتفاؤل وفوق
هذا كله حلاوة الإيمان التي تشعر بها في كل يوم جمعة جديد ..
بعد صلاة الفجر تُنهي أعمالها المنزلية ثم تبدأ حمَّامها الاسبوعي والذي تقضي فيه
وقتاً أطول من حمامها بقية الأيام .. فهذا الحمام خاص بيوم الجمعة ..
بعد الانتهاء تلبس أفضل مالديها وغالباً ماأراها تلبس ملابس العيد
ثم تتطيب وتتبخَّر بطيب وبخور خاص بهذا اليوم ..
تخرج خالتي لزيارة أقاربها قبل الصلاة بساعتين ..
وبما أن منازلنا كانت متجاورة وقريبة جداً من بعضها فهذه الزيارة لاتأخذ من وقتها الكثير
خمس دقائق لكل قريبة كانت كافية ..
وكم كنت أسعد عندما أسمع جرس الباب يرن وأعرف أن الخالة أتت لزيارتنا تسبقها
رائحتها الجميلة المميزة ..
بعد إنتهاء الزيارة تعود لمنزلها وتفرش سجادتها وتحلِّق في سماء الإيمان مابين ذكر
وصلاة وتكرار ماتحفظه من سور صغيرة فهي لاتعرف القراءة والكتابة وماتردده هو
بعض السور التي حفظتها من إذاعة القرآن الكريم بالمذياع ..
ثم تصلي صلاة الجمعة ولم أذكرها يوماً تأخرت في ذلك ..
كنت أسمع هذه العبارة دائماً ( لاتبكي على الميت إذا مات .. ابكي على ظهر الجمعة إذا فات )
بعد الانتهاء من الصلاة تجهز قهوتها العربية وتدعو ابنتها لمشاركتها الجلسة أو تذهب هي
إليها لمشاركتها هي وأبنائها في هذه الجلسة ..
أما عصر يوم الجمعة فلا أعلم ماذا تفعل فيه لأني أعكف على مذاكرة دروسي وحل واجباتي ..
هذه الخالة كانت تعيش وحيدة بلا زوج أو أبناء ماعدا ابنتها المتزوجة القريبة منها
ومع ذلك لم تقضي يومها في النوم والكسل والتحسر على وحدتها
إنما استطاعت أن تجعل من يوم الجمعة يوم عيد اسبوعي حافل بالأعمال
والزيارات والعبادات ..
ومع وفاة هذه الخالة ترك من حولها برنامجها الذي كانوا يسيروا عليه ..
ففقدت طعم يوم الجمعة المميز ومذاقه الخاص ..
مارأيك بهذه الخالة
رغم بساطة برنامجها لكنه كان له أثر كبير فيمن حولها كبارهم وصغارهم .. هل أنتِ معي في ذلك
الوقت لم يفُت بل أمامنا الكثير لنجعل من يوم الجمعة يوم مميز ومختلف وله مذاق خاص
لاينساه أبنائنا عندما يكبروا ويسترجعوا ذكرياتهم معنا ..
والأهم من ذلك هو الأجر العظيم الذي تناليه من الله عز وجل عندما تحيين سنن وآداب هذا اليوم
ويحذو غيرك حذوكِ ويصبح يوم الجمعة عيداً اسبوعياً للأسر المسلمة ..
هذا ماتتمنينه
إذاً ..
تابعيني ......